أخبار محلية

أين أموال كورونا؟.. شبهات فساد وآلية صرف تثير الشكوك!

أتى الوفد الوزاري من الضفة المحتلة إلى غزة مع بدء جائحة كورونا، التقط الصور، وابتسم لعدسات الكاميرا، ثم تمنى السلامة للقطاع وأهله، ولم تأتِ أموال كورونا!

“أين أموال كورونا؟” كان هذا السؤال الذي قفز في وجه المواطن حيث سمع عن ملايين الدولارات التي وصلت للسلطة كتبرعات لمواجهة الوباء، في حين تواجه غزة والضفة الفايروس دون دعم مادي يوازي هذه الأرقام!

أرقام معلنة، وغيرها الكثير ظل حبيس جدران اجتماعات السلطة وقياداتها في رام الله، حيث تلقت السلطة منحا ومساعدات وقروضا داخلية وخارجية لدعمها في مواجهة الجائحة بلغ مجموعها 3.25 مليار شيكل حتى شهر مايو الماضي، وفق المعلن عنه!

غياب التقارير الرسمية!

شبهات فساد كثيرة تحوم حول هذا الملف وأوجه صرف الأموال المرصودة له، حيث أن حكومة رام الله لم تتخذ إجراءات كافية لمواجهة كورونا من حيث مراكز الحجر الصحي وإعادة العالقين في الخارج ودفع تعويضات للعمال وأصحاب المهن المتضررة من الاغلاق بحجة عدم وجود أموال، إلى جانب تجاهل حصة غزة من أموال الدعم، ما يفتح باب التساؤلات حول كيفية إدارة أزمة كورونا على الصعيد المالي وأوجه صرف هذه الأموال، وهو ما سنحاول الإجابة عنه في هذا التحقيق.

لم يكن سهلًا الحصول على أرقام واضحة لكل ما تلقته السلطة من مبالغ منذ بدء أزمة كورونا، في ظل حالة واضحة من التكتم، فلم تعلن السلطة رسميا قيمة التبرعات والمساعدات الخارجية، إلا من بعض الجهات المانحة التي أعلنت عن دعمها بشكل رسمي عبر وسائل الإعلام أو منصاتها الرسمية.

ورغم توصيات منظمة الشفافية الدولية لضمان عدم سرقة أموال مكافحة كورونا إلا أن ملف هذه الأموال عند السلطة الفلسطينية كان بعيدا كل البعد عن ذلك!

المستشارة الإقليمية لمنظمة الشفافية الدولية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كندة حتر قالت في تقرير المنظمة إن “الحكومات في جميع أنحاء المنطقة أعلنت حالات الطوارئ المختلفة لمعالجة الوباء وتأثيره على الأشخاص الأكثر ضعفاً”، وأضافت “نرحب بالسرعة التي استجابت بها الحكومات، ولكن ما لم يتم اعتماد تدابير مكافحة الفساد خلال هذه الأزمة، فإن الفساد سيزهق الأرواح ويبطئ الانتعاش الاقتصادي من الأزمة.”

تصريحات “حتر” لم تكن بعيدة عما أكده سمير عبد الله محلل اقتصادي “للرسالة” بقوله: “ممارسة السلطة لعدم الشفافية غير مريحة للمواطن وغيره، لأنها تثير الشكوك وتعمل على زعزعة الثقة بين المواطن والمسؤول”.

عبر الأخبار، تابع المحلل عبد الله كما غيره، اعلان بعض الدول تقديم مساعدات مالية للسلطة لمواجهة الجائحة، سمع عن الملايين لكنه لم يعرف كيف تم صرفها أو آلية توزيعها، منبهًا بأن آلية صرف هذه الأموال بحاجة لشفافية أكبر.
وأكد خلال حديثه أن هذه المسائل يشوبها الغموض وتغيب عنها الشفافية، لأن السلطة لا تعلن عن المبالغ رسميا فتظهر خلال الأخبار أو عبر التسريبات أو من خلال إعلان المانحين أو الجهات الدولية بالتزامن مع غياب التقارير الرسمية.

وختم بالقول:” من حق المواطن معرفة تفاصيل الأموال التي تلقتها السلطة من المانحين، كحقه تماما في معرفته عن مصير أموال الضرائب التي تجبيها الحكومة منه كضريبة الدخل والمشتريات وغيرها”.

تبرعات وقروض ومنح!

نهاية مارس الماضي وقع موشيه كاحلون وزير المالية الإسرائيلية على تمرير 120 مليون شيكل للسلطة الفلسطينية من أموال الضرائب الفلسطينية كمساعدات طارئة للسلطة الفلسطينية على خلفية أزمة فايروس كورونا المستجد.

جاء ذلك نقلا عن مسؤولين إسرائيليين قالوا ان كاحلون أقر ذلك بعد طلبات من المؤسسة الامنية الإسرائيلية، والتي أعرب مسؤولون فيها عن قلقهم من أن كورونا قد تزيد من الأزمة الاقتصادية في الضفة وتؤدي الى انهيار السلطة الفلسطينية.

لم يكن هذا المبلغ وحده من أعلن عنه، فقد رصدت “الرسالة” من خلال متابعتها للتصريحات والمواقع الرسمية عدد لا بأس به من الأموال التي حصلت عليها السلطة كمساعدات وقروض، ومنها ما أعلنت عنه سلطة النقد كقرض بمبلغ 300 مليون دولار لدعم المشاريع المتوسطة والصغيرة.

والواضح أن الأوضاع الحالية لا تسمح بنجاح هكذا مشاريع، إلا أن السلطة لم تفصح عن آليات توزيع تلك القروض حتى اللحظة ولا مصير الأموال المرصودة لصالحها. 

قطر هي الأخرى أعلنت عن تبرعها بمبلغ 10 مليون دولار للسلطة، في وقت صرحت الكويت عن منح السلطة مبلغ 5.5 مليون دولار، إضافة لــ 5 مليون دولار من تركيا.

بداية ابريل الماضي أعلن البنك الدولي عن منح السلطة 6 مليون دولار لإسناد جهود الحكومة في مواجهة تفشي “كورونا” وكان البنك الدولي قد قدم قبل نحو أسبوعين من شهر ابريل 800 ألف دولار لإسناد هذه الجهود.

السعودية هي الأخرى أعلنت عن تقديم 10 مليون ريال سعودي لخزينة السلطة، مرورًا بالاتحاد الأوروبي الذي أعلن عن مجموع أموال بقيمة 375 مليون يورو وصلت السلطة خلال فترة كورونا، إلا أن السلطة أعلنت عن تلقيها 71 مليون يورو فقط من الاتحاد الأوروبي، لتبقى بقية الأموال مجهولة المصدر.

الأرقام السابقة والتي تمر عليها “الرسالة” من خلال بحثها على مدار أشهر من تلقي السلطة لتلك الأموال لم تنته من جمعها حيث أعلنت المملكة المتحدة عن تبرعها بمليون دولار للسلطة، فيما حصلت على 500 مليون شيكل كقرض من البنك المركزي (الإسرائيلي)، و2 مليون شيكل من البنك الإسلامي الفلسطيني والبنك الوطني الفلسطيني، ومليون دولار من رجل الأعمال الفلسطيني منيب المصري، ونصف مليون دولار من مجموعة الاتصالات الفلسطينية.

وبجمع المبالغ السابقة، نجد أن الإجمالي يصل إلى 3.25 مليار شيكل غير شاملة لصرف الضرائب من وزارة المالية الإسرائيلي!

كل هذه الأموال حصلت عليها السلطة بالتزامن مع إعلانها المستمر عن وجود عجز مالي كان أبرزه خلال مايو الماضي حيث أعلنت فيه الحكومة في رام الله عن عجز بقيمة 850 مليون وهو ما يثير التساؤلات “أين ذهبت أموال كورونا؟”.

الصحة تشكو والمالية لم ترد!

الأرقام سابقة الذكر هي فقط الأموال المعلن عنها والتي استطاعت “الرسالة” الحصول عليها، لاسما وأن السلطة لم تعلن عن الكثير من التبرعات، حتى أنها وصفت تبرع الولايات المتحدة والبرازيل بقيمة 5 مليون دولار بأنه شيء رمزي!

ورغم حصول السلطة على كل هذه الأموال الا أنها لم تقم بإنشاء مراكز حجر صحي لاسيما بعد تصريح رئيس الحكومة في رام الله محمد اشتية، بأن حكومته ليس لديها قدرة مالية لفتح مراكز حجر نظرا للمصاريف الكبيرة التي تحتاج لها!

في استطلاع رأي نشره الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة “أمان” رأى غالبية الفلسطينيين في نوفمبر الماضي أن الفساد ازداد في العام 2019 عنه في العام الماضي، وأنه سيزداد أكثر خلال عام 2020، وأن السلطة الفلسطينية فاسدة وقادتها هم الأكثر فسادا، بينما رأوا أن وزارة الصحة هي الأكثر فسادا بين الوزارات.

وأظهر استطلاع لرأي المواطنين الفلسطينيين حول واقع الفساد ومكافحته في فلسطين عن العام 2019 أجراه “أمان” أن 63% من المستطلعة آراؤهم يرون أن حجم الفساد في مؤسسات السلطة الفلسطينية ما زال كبيراً، ويرى 82% من المستطلعين أن الفساد يتركز لدى فئة الموظفين العليا.

اتصال هاتفي مع وكيل وزارة الصحة بغزة الدكتور يوسف أبو الريش أكد خلاله أنه لا علم له بحجم الأموال التي حصلت عليها الوزارة في رام الله لمواجهة الجائحة، مشيرًا إلى أن وزيرة الصحة مي كيلة وخلال زيارتها لقطاع غزة مع الوفد الوزاري في سبتمبر الماضي وعدت بإحداث ترتيب أفضل لملف العلاج بالخارج.

وقال أبو الريش: “استعرضنا المشاكل الموجودة في الملف لاسيما المتعلقة بمرضى الأورام والقلب لأنها من الملفات الأساسية”.

مصدر خاص من وزارة الصحة أكد “للرسالة” أنه لم يصل غزة أي وعود خاصة بأموال كورونا، لاسيما وأنه وبعد سؤال الوزارة للوزيرة خلال اجتماعها بطاقم الوزارة في القطاع ومطالبتها بدعم غزة من أموال كورونا، كان ردها: “الوضع في الضفة ليس بأفضل من غزة (…) لدينا مشاكل أيضًا في مواجهة الجائحة”.

وهنا يكمن السؤال كيف يمكن تشبيه وضع السلطة التي تلقت الملايين لمواجهة كورونا، بغزة التي لا تقوى على توفير مسحات مخبرية للفحص اللازم للكشف عن الفايروس!

بين شكوى وزيرة الصحة سوء الحال في الضفة وبين عدم رد الناطق باسم وزارة المالية في الضفة عبد الرحمن بياتنة، رغم تواصل “الرسالة” معه لأكثر من مرة، وارسال رسالة للحديث معه، وعند أخذ موعد محدد لم يرد علينا خلاله، يبقى السؤال” ألا توجد رقابة على هذه الأموال؟”

غياب أداة رقابية!

نهاية يوليو الماضي أعلن البنك الدولي عن منحة جديدة للحكومة في رام الله بقيمة 30 مليون دولار مساعدات لمتضرري جائحة “كورونا” في الأراضي الفلسطينية.

وقال البنك “أصبح هذا الأمر ملحًا بعد أن عجزت السلطة الفلسطينية عن المساهمة بحصتها في مشروع التحويلات النقدية للربع الثاني من عام 2020 بسبب الأزمة الحالية في المالية العامة”.

وخلال حالات الطوارئ، غالبًا ما تلغي الحاجة إلى التحرك السريع الحاجة إلى معايير الرقابة، وبالتالي تؤدي إلى تفاقم مخاطر الفساد، ولكن معايير الرقابة غابت منذ فترة طويلة عن أموال السلطة على ما يبدو الأمر الذي أكده رئيس لجنة الرقابة في المجلس التشريعي النائب يحيى العبادسة “للرسالة”.

النائب أكد خلال حديثه لنا على أن السلطة منذ عام 2007 إلى اليوم وهي تفتقد أي أداة رقابية تشريعية رسمية تراقب أداءها، منوهًا إلى أنها تحتكر كل ما يتعلق بمؤسسات السلطة من مؤسسة قضائية وتشريعية وتنفيذية.

وقال:” السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، وهذا يعطي الإجابة فيما يتعلق بملف أموال كورونا وغيرها من إهدار للمال العام”، وتابع: “ليست القضية فقط أموال كورونا، فهي قليلة نسبة لأموال السلطة التي تنفق سنويًا ما لا يقل عن 5 مليار دولار بطريقة فاسدة فيها شراء للذمم واستخدام الأموال في قمع شعبنا”.

ونبه العبادسة أن قطاع غزة ومنذ عام 2007 محروم من مخصصاته التي تبلغ عدة مليارات، متسائلًا: “أين يذهب هذا المال، لا حسيب ولا رقيب عليه، كل هذا الواقع يعطي إشارة أن إدارة السلطة تتم بطريقة تضيع المال العام دون العلم عن آلية صرفه”.

وأوضح أن التشريعي بغزة غير مطلع على حجم الأموال التي تلقتها السلطة مؤخرًا، لأن المجلس معطل، وقطاع غزة محجوب عنه المعلومات، مشيرًا إلى أن وزارة المالية منذ 2014 إلى اليوم لا تنشر الحساب الختامي ولا تنشر بنود الموازنة لغزة، لاسيما بعد عقد التشريعي جلسة تقرير حول ما تنفقه السلطة ونصيب قطاع غزة من هذه الأموال.

وختم حديثه مبينًا أن السلطة تخفي كل ما يتعلق بالحسابات المالية، لأن اظهار هذا الأمر سيكشف حجم الفساد الكبير، ونهب المال العام، لافتًا إلى أن كل ما جاء من نصيب وزارة الصحة لا يتعدى 2 مليون دولار.

وقال: “السلطة في ظل حكومة اشتية هي أسوأ إدارة في التعامل مع قطاع الصحة في غزة”.

غزة خارج الحسابات!

رغم دخول كورونا إلى قطاع غزة، وحالة الاغلاق التي يشهدها القطاع بسبب الفيروس، إلا أن السلطة تتعمد تهميش غزة التي كانت ولا زالت خارج الحسابات!

ظهر ذلك جليًا في حديث مدير عام الصيدلة في وزارة الصحة منير البرش لوزيرة الصحة مي كيلة بأن ما يصل غزة من حصتها بالأدوية لا يتجاوز7 مليون دولار من أصل 40 مليون دولار!

وأوضح البرش خلال لقاء مع وزيرة الصحة بالقائمين على وزارة الصحة بغزة خلال زيارتها مطلع أيلول أن عام 2019 بلغ إجمالي حصة غزة ثلاث ملايين ومائتي ألف دولار فقط، ومنذ مطلع عام 2020 والبدء في مواجهة أزمة وباء كورونا حتى شهر سبتمبر وصل القطاع ما قيمته 2 مليون دولار.

البرش أكد على سياسة التمييز بين غزة والضفة الغربية ومحاربة القطاع بمنع إدخال الأدوية اللازمة، خاصة ما يلزم لتأمين السكان ووقايتهم من فايروس كورونا، وحمايتهم من كافة الأمراض الأخرى التي تنتشر بالقطاع.

وبين أن60 % من الأدوية غير متوفرة، ومسجل لدى كشوفاتها 47 ألف مريض بالأمراض المزمنة، يستفيد منهم ما يقرب من 22 ألف فقط، وباقي المرضى البالغ عددهم 25 ألف مريض يتم تحويلهم إلى المستشفيات.

ولا تزال غزة خارج حسابات السلطة في المساعدات التي تتلقاها من دول العالم ومؤسسات المجتمع المدني في مواجهة جائحة كورونا رغم إعلان العديد من المؤسسات الحقوقية بأن القطاع يعتبر منطقة منكوبة جراء الحصار والحروب التي مرت به، إلى جانب الوضع الاقتصادي السيء من ارتفاع في معدلات البطالة والفقر، إلا أن ذلك لم يشفع للقطاع ليكون ضمن المستفيدين من المساعدات التي تصل للسلطة.

توصيات!

توصيات عاجلة وعملية لمنع تقويض الفساد لجهود مكافحة كوفيد – 19 كانت آخر ما اطلعت عليه “الرسالة” قبل اغلاق ملف شبهات الفساد في أوجه صرف السلطة لمساعدات كورونا.

ولفت انتباهنا أن أبرز توصيات منظمة الشفافية الدولية كما نشرها ائتلاف أمان هو اعتماد الشفافية والمساءلة لتوفير مظلة مكافحة الفساد التي تشتد الحاجة إليها.

تلك الحاجة تشتد في مجالين مهمين وهما المشتريات العامة وإدارة صناديق التبرعات من القطاع الخاص والأفراد الأغنياء.

وبحسب أمان لا تهدف هذه الإجراءات إلى إبطاء الاستجابة للأزمة، ولكن لضمان عدم سرقة أو إساءة استخدام الأموال المخصصة لإنقاذ الأرواح واستعادة سبل العيش الكريم.

ومن أبرز التوصيات لمعالجة مجالات الفساد المحتملة في إدارة صناديق التبرعات الخاصة، أن تتولى سلطة رسمية واحدة مسؤولية احتساب التبرعات وتنفيذ استراتيجية إدارية واضحة لاستخدامها.

كما نبه ائتلاف أمان إلى ضرورة نشر قيمة التبرعات مع أسماء المتبرعين من خلال موقع إلكتروني رسمي على الشبكة العنكبوتية؛ ووضع إجراءات شفافة في عملية توزيع المساعدات على العاطلين عن العمل أو المشاريع الصغيرة بما يضمن العدالة والشفافية.

مقالات ذات صلة

‫47 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى