قصص وروايات

قصةٌ واقعيةٌ مبكيةٌ ومضحكةٌ

حَكى لى أحدُ أصحابي قصةً مؤثرةً جداً .

حَكى لى أحدُ أصحابي قصةً مؤثرةً جداً . تجعل دموعك تنسحب منك دون أن تدري . وذلك لما فيها من ظُلم . وقسوة قلب لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى . ولكن بعد تمام حكايتها ونهايتها قد تضحك من الدهشة والعُجب مما ورد فيها .

سأكتب بقلمه , أو سأفسح المجال له حتى يحكيها لنا فهو بها أعلم , وبدقائقها أحوط , وبتفاصيلها أدرى , وبمعالمها أشمل , ولنقلها أحرص .

يقول :

كانت أمي مريضة منذ فترة طويلة ما يقارب الخمس عشرة عاماً , ولكن زاد مرضها قبل موتها بفترة , مما إضطر الأطباء لنقلها إلى عنبر ثلاثة [ يقول الأطباء : عنبر ثلاثة لا يخرج منه مريض إلا إلى القبر . وذلك لتدهور حالتهم ولعدم استجابة أجسادهم للعلاج ] . وكانت أختى هى من ترعَى أمي فى هذا الوقت . وما سأحكيه لك ليس مرض أمي ولا معاناتها قبل موتها رحمها الله . ولكن سأحكى موقف رأته أختى بِأُم عينيها .

قالت : كانت المريضة جوارنا إمرأةٌ لم يتجاوز عمرها ثلاثون عاماٌ من ريف المنصورة , الناس الطيبين , تزوجت برجلٍ من أهل القاهرة وكانت حياتهم رَغداً وسعادةً وهناءً . مما شجع أخوه بأن يتزوج من أختها , واستمر الوضع على ذلك حتى أنجبت له ولداً وسموه عَلِيِّ . وسبحان الله دوام الحال من المحال , فما هى إلا فترةٌ قليلةٌ حتى نشبت الخلافات بينهما , وتدهور الحال , وساءت العلاقة , وكان زوجها هو المتسبب فى هذه الخلافات . فطلقها وأقسم بالله الأ ترى ولدها حتى تموت .

وقد كان .

رجعت المسكينةُ إلى أهلها بريف المنصورة وقلبها يحترق , لا على طلاقها من زوجها فقط بل على فراق ولدها كذلك . فكثيراً ما كانت تفكر فى ولدها , من يرعاه , من يهتم به , كيف حاله , هل هو بخيرٍ أم لا , ولا أحد أحنّْ على الولد من أمه – ورحم الله خولة بنت ثعلبة حينما أتت إلى رسول الله تشكي زوجها . فقالت أبنائي إن تركتهم إليه ضاعو . وإن تركهم إلىَّ جاعوا – فكانت صاحبتنا هذه تفكر كثيراً فى ولدها , وظلت تُصَّبِّر نفسها وتكظم غيظها , وتكفكف عنائها حتى نفذ صبرها واشتاقت إلى رؤية وليدها , فاحتالت هى وأختها – التى تحت زوج طليقها وتسكن بجوار ولدها – فاحتالت هى وأختها أن تذهب إلى زيارتها بدون علم طليقها حتى ترى ولدها الوحيد ولكن للأسف علم الملعون بقدومها لرؤية ولدها فأخفاه عنها , وأودعه عند أحد أصدقائه حتى لا تراه .

فرجعت المسكينة إلى أهلها بالمنصورة تَجُرٌّ أذيال الحزن والهم معها . هذا وقد إزدادت عاطفتها وشوقها تجاه ولدها .

ولا زالت كذلك حتى أصابها المرض فذهبت إلى كثير من الأطباء ولكن للأسف دون جدوي .

وظلت كذلك تتردد على الحكماء , وحتى قيل من راق , ولكن دون جدوى فاشتد المرض عليها ودخلت هى الأخري عنبر ثلاثة هذا العنبر المذكور آنفا . والتى جاورت فيه أمي رحمهما الله . وكانت رفيقتها أختها السالفة الذكر .

كل هذا بسبب حرمان طليقها لها من رؤية وليدها عَلِىّْ . وظلت كذلك فى عنبر ثلاثة تشتاق إلى وليدها . ويزادا مرضها , حتى حان لحظة موتها وحينها ظلَّت تنادى على ولدها تقول يا عليّْ يا عَليّْ . ظلًّت تقوك ذلك حتى ماتت رحمها الله .

ماتت وقد قتلها زوجها بحرمانها من ولدها , ماتت وقد تركت حملاً ثقيلاً على ظهر طليقها لن ينجوا من غبنه وخسته وظلماته تلك , ماتت وتركت وليدها ورائها يتولاه الله برحمته . ماتت وقد تأتي يوم التناد [ يوم القيامه ] تنادى على طليقها وتخاصمه أمام الله لم قتلها بوليدها . ماتت هنا ولكن هناك حياة أخرى لا يظلم فيها أحد . فلينتقم الله عزَّ وجلَّ ممن قتلها .

وظل كل موجود بالعنبر وشهد الموقف يبكى ويدعوا على طليقها ظلو يدعون عليه بأن ينتقم الله منه . وأن يجعل ولده هذا نقمةً ولعنةً عليه . .

لعلًّ هذا هو المبكي فى هذه القصة . ولكن المضحك والمدهش والمثير للعجب أنه حكى هذه القصةُ على مسامع زوجته وكان صديقى هذا كان قد أنجب مُؤخراً . رزقه الله بولده محمد . فحكى زميلى هذه القصة على زوجته وزرفت دمعه وهو يحكيها . ولكن الملعونة زوجته- لعنها الله هى وأختها وأمها وأحال بينهم وبين قلوبهم اللهم آمين – ما تأثرت بقصته تلك . فعملت بضد قوله تعالى [ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ] .فاتبعت أسوء ما فى القصة – وذلك بوسوسة أمها وأختها لها – تماماً كالذباب لا يسقط إلا على النفايات والروث وغير ذلك .

فبعد ذلك بفترةٍ قصيرةٍ جداً أحبت زوجته أن تميته هو بسبب حرمانه من ولده محمد .

كما ماتت صاحبتنا بسبب بكائها على ولدها عليّْ . فقال لها بلسان حاله [ بيني وبينكم ما صنع الحدَّاد ] , وما صنع الحدَّاد : أنه كانت لديه زوجة كثيرة ما تصيح عليه وتسبب له صداع , وتُرهقه بكثرة مطالبها , فطلبت منه شيئاً يوما ما فتركها وقال لها انتظرى ماذا أصنع لك , ثم ذهب , ففكرت فيما سيحضر لها .

فتركها أيام حتى عاد إليها بما يشبه الوعاء الكبير ثم نادى على ولده وأمره أن يطرق عليه بأقصى قوة لديه . وترك الأعرابى الدار وظلَّ يمشى حتى ما يسمع صوت طرق ولده على الإناء حينها . نصب خيمته وأقام عندها . بعيداً عن صوت زوجته . فمهما علا صوت زوجته فلم يبلغ أعلى صوت للإناء .

فصار ذلك مثلاً يُضرب . أن تترك من يؤذيك وتقيم بعيداً عنه وعمن ورائه حتى يهدء بالك وتستريح إن شاء الله .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى