اخبار دولية

“ذهب الصراع” هدفها…. هكذا تستفيد الإمارات من آلام القارة السمراء

تحولت دولة الإمارات العربية المتحدة، خلال السنوات القليلة الماضية، إلى سوق رئيسية للذهب الأفريقي الذي تحصل عليه المليشيات المسلحة في عدد من الدول بشكل غير قانوني، وتبيعه بالطريقة نفسها، وهو ما يعزز الصراعات ويعصف بالمكتسبات الأمنية بالقارة السمراء.

وتواجه الإمارات اتهامات متواترة بالسعي لتعزيز هيمنتها على أكثر من بلد، خاصة في منطقة القرن الأفريقي، وذلك لنهب ثروات هذه البلاد عبر دعم الميليشيات وتغذية الصراعات المحلية.

ومؤخراً، قال البرلمان الأوروبي إن الإمارات عززت تدريجياً -خلال العقد الماضي- هيمنتها على منطقة القرن الأفريقي، لا سيما في خليج عدن، متسببة في زعزعة المكاسب الأمنية بتلك المنطقة.

وأوضح البرلمان الأوروبي في قرار بشأن التعاون الأمني بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا في منطقة الساحل والقرن الأفريقي، الخميس (17 سبتمبر)، أن أبوظبي تواصل تقويض المكاسب الأمنية والسياسية التي تحققت في الصومال.

واعتبر القرار أن سلوك أبوظبي كان سبباً في الانقسام الوطني بين حكومة الصومال الفيدرالية والأعضاء بالفيدرالية، مشيراً إلى أن كميات من الذهب بمليارات الدولارات تُهرب من دول غرب أفريقيا كل عام عبر الإمارات.

وأشار إلى أن حركة الشباب الصومالية تجني ملايين الدولارات من عائدات تصدير الفحم إلى إيران ثم إلى الإمارات، في انتهاك للعقوبات الأممية.

وإلى جانب المخالفات القانونية التي تشتمل عليها عمليات شراء ما يسمّى بـ”ذهب الصراع”، فإن مجرد توفير سوق لهذا الذهب يذكي الحروب الأهلية الداخلية في هذه البلاد، فضلاً عن الأضرار التي يلحقها باقتصادات هذه الدول.

تحقيق سويسري

وأواخر يوليو الماضي، فتحت السلطات السويسرية تحقيقاً رسمياً في خفايا نهب ذهب من مناطق صراع في أفريقيا عبر تهريبه إلى دولة الإمارات.

وأوضح المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط، السبت (25 يوليو) أن الأمر يتعلق بتهريب الذهب من دول أفريقية؛ أبرزها السودان وغانا وتنزانيا وزامبيا.

ويمثل الأمر واحدة من أخطر الأزمات التي تواجهها تلك الدول؛ نظراً لآثاره السلبية على اقتصادها وحرمانها من أحد أهم موارد النقد الأجنبي، ومن الإيرادات الجمركية المفروضة على تصدير الذهب، بحسب المجهر.

وقال المجهر أنه اطلع على نتائج تحقيق لمنظمتين غير حكوميتين في سويسرا يؤكد أن إمارة دبي تعد بوابة لنقل ذهب مناطق النزاع في أفريقيا ونقله إلى مصافي التكرير السويسرية.

وأشار إلى أن شركة “ميتالور” (METALOR)، وهي إحدى كبريات المصافي السويسرية الأربع المتخصصة في تكرير وصقل الذهب، تلتزم بعدم استيراد هذا المعدن من دبي بسبب استحالة تتبع مصدره.

مؤسسة “غلوبال ويتنس”، المتخصصة في الأبحاث الاستقصائية، كشفت منتصف يوليو الماضي، قيام شركة “كالوتي”، التي تدير مصفاة للذهب وتتخذ من الإمارات مقرّاً لها، باستيراد ذهب السودان الذي تسيطر عليه المليشيات المسلحة، ولا سيما في منطقة “جبل عامر” شمالي دارفور.

وقالت المؤسسة إن الشركة -تحت مظلة ضعف الإجراءات الإماراتية فيما يتعلق بـ”العناية الواجبة بسلاسل إمدادت المعادن”- استحوذت (عبر بنك السودان المركزي) على معظم “ذهب الصراع” السوداني منذ العام 2012.

اتهامات لا تتوقف

وتواجه الإمارات، بشكل شبه مستمر، اتهامات بشراء -أو بغض الطرف عن شراء- مثل هذا الذهب؛ ففي يونيو الماضي، أكد تقرير أممي غضّ الحكومة الإماراتية الطرف عن عمليات تهريب الذهب المستمرة من جمهورية الكونغو الديمقراطية لإمارة دبي.

وقال التقرير التقرير السنوي للجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن الدولي إن الإمارات تواصل صدارتها لعمليات التجارة غير المشروعة، رغم دخولها في عدد من الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية المرتبطة بمحاربة عمليات غسل وتبييض الأموال وعمليات التهريب.

وإلى جانب ملايين الدولارات التي تخسرها خزانة الدولة الكنغولية سنوياً جراء هذه التجارة غير المشروعة فإن حاصلات هذه التجارة تستخدم في تمويل الصراع المفتوح شرقي البلاد، بحسب التقرير.

وبلغ حجم صادرات الكونغو الرسمية من الذهب 39 كيلوغراماً تقريباً من أصل 333 كيلوغراماً هي حجم الإنتاج الرسمي، وفقاً لإحصائيات وزارة المناجم الكونغولية.

وشحن ما لا يقل عن 1100 كغ من الذهب بشكل غير قانوني، خلال العام الماضي، فقط من مقاطعة إيتوري شمال شرقي الكونغو، كما استحوذت إمارة دبي على نصيب الأسد من الذهب الخارج بشكل غير قانوني من العاصمة كينشاسا، إلى جانب دول أفريقية أخرى تستفيد من عصابات التهريب كأوغندا وتنزانيا.

مصدر للدخل وتغذية للصراعات

وباتت التجارة غير المشروعة مصدراً أساسياً من مصادر الاقتصاد في الإمارات؛ حيث تظهر بيانات جمركية أنها تصدّرت الدول في استيراد الذهب الأفريقي، خلال 2016، بواردات بلغت 15.1 مليار دولار، مقارنة بـ1.3 مليار دولار في 2006.

وتتهم الإمارات بإدارة وتأجيج النزاعات الداخلية المسلحة في دول أفريقية؛ مثل السودان وليبيا والصومال والكونغو، وقد تساءلت “الغارديان” البريطانية، في فبراير الماضي، عن المكان الذي تذهب إليه عائدات الذهب السوداني إذا كان أكثر من 15 مليون سوداني يعيشون تحت خط الفقر.

الصحيفة البريطانية كشفت أن قوات الدعم السريع التي يقودها أحد أغنى حكّام السودان وأكثرهم علاقة بأبوظبي، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تسيطر على أغنى مناجم الذهب في السودان، ما يجعلها لاعباً في الصناعة الأكثر ربحاً في البلاد بغرض تهريبها إلى الإمارات.

ولا يقل استحواذ الإمارات على غالبية ذهب السودان أهمية عن استفراد قوات التدخل السريع بكم كبير من هذا الذهب السودان، من وجهة نظر الصحيفة، التي أشارت إلى أن بيانات التجارة العالمية لعام 2018 تؤكد استيراد أبوظبي أكثر من 90% من صادرات الذهب السوداني.

وتثير العلاقة بين الذهب السوداني والأثرياء الأجانب وقوات الدعم السريع قلق المراقبين؛ إذ تعتقد “غلوبال ويتنس”، التي كشفت عن هذه العلاقة في وقت سابق، أن قوات الدعم السريع بقواتها العسكرية واستقلالها المالي تشكل تهديداً لانتقال السلطة والديمقراطية في السودان.

ويرتبط قائد قوات الدعم السريع السودانية بعلاقات وطيدة بولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، ضمن شبكة علاقات تجارية وأخرى تتصل بتقديم الدعم في مناطق النزاع التي توجد بها أبوظبي في أفريقيا.

ذهب السودان ليس الوحيد

ذهب السودان ليس وحده ما تستنزفه أبوظبي من القارة السمراء؛ فقد كشف تحقيق أجرته وكالة “رويترز”، في أبريل 2019، أن ذهباً بمليارات الدولارات يهرب من أفريقيا بطريقة منظمة عن طريق الإمارات التي تمثل بوابة للأسواق في أوروبا والولايات المتحدة وغيرها.

وقالت الوكالة إن مقارنة الواردات الإجمالية الداخلة إلى الإمارات بالصادرات المعلنة من الدول الأفريقية تكشف الحجم الحقيقي للتجارة المحرّمة التي تمارسها الدولة الخليجية، إذ إن النسبة الكبرى من الذهب لم تكن ضمن قائمة صادرات تلك الدول.

وتشير البيانات الجمركية إلى أن الإمارات استوردت ذهباً قيمته أكثر من 15 مليار دولار من أفريقيا، خلال عام 2016، وهو أكثر من أي بلد آخر، وذلك بارتفاع من مليار و300 مليون دولار خلال العام 2006، وبلغ الحجم الإجمالي 446 طناً، بدرجات نقاء متفاوتة، ارتفاعاً من 67 طناً في 2006.

وفي ليبيا تشير إحصائيات وزارة التخطيط في حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً إلى أنه جرى تهريب ما بين 50 و55 طناً من الذهب إلى الإمارات، أي ما قيمته 3 مليارات دولار.

ويوم الأحد (12 يوليو)، كشف موقع “ميدل إيست آي” البريطاني أن دبلوماسيين إماراتييّن يواجهون أسئلة صعبة بعد أن تورطت قنصلية بلادهم في “كيرلا” بالهند بقضية تهريب ما قيمته 2 مليون دولار من الذهب.

ويصل وزن الذهب المذكور إلى 30 كيلوغراماً، عثر عليها في حقائب دبلوماسية مرسلة من دولة الإمارات إلى قنصليتها في كيرلا الواقعة جنوبي الهند، والتي ينحدر منها آلاف العاملين بها.

إنتاج ضخم وصادرات ضئيلة

وتنتج الدول الأفريقية، ولا سيما المشغولة بالصراعات الداخلية، كميات كبيرة من الذهب، إلا أن صادراتها الرسمية من المعدن لا تعبّر أبداً عن الحجم الحقيقي للإنتاج؛ فالكونغو الديمقراطية مثلاً تعتبر من المنتجين الكبار للذهب، لكن صادراتها الرسمية تمثل نسبة ضئيلة فقط من إنتاجها التقديري. ويهرب أغلبه إلى أوغندا ورواندا، أو عبرهما.

وتوضح البيانات الجمركية، التي زودت الحكومات بها هيئة “كومتريد” التي تمثل قاعدة بيانات تابعة للأمم المتحدة، أن الإمارات وجهة رئيسية للذهب من دول أفريقية كثيرة منذ سنوات.

ويجري تداول معظم الذهب في دبي، التي تمثل مركز صناعة الذهب في الإمارات. وقد أعلنت الأخيرة أنها استوردت ذهباً من 46 دولة أفريقية عام 2016. لكن 25 من هذه الدول لم تقدم بيانات عن هذه الصادرات لـ”كومتريد”، في حين تقول أبوظبي إنها استوردت ما قيمته 7.8 مليارات من الذهب من هذه الدولة.

وخلال السنوات العشر الأخيرة، أصبح للذهب الوارد من أفريقيا أهمية خاصة لدبي. وأظهرت بيانات كومتريد أنه خلال هذه السنوات العشر ازداد الذهب المستورد من أفريقيا الذي أعلنت عنه الإمارات من 18% إلى ما يقرب من 50%.

وتصف سوق السلع الأولية الرئيسية بالإمارات، وهي مركز دبي للسلع المتعددة، نفسها على موقعها الإلكتروني بأنها “بوابة عالمية للشرق الأوسط للتجارة في مجموعة واسعة من السلع”. وتمثل التجارة في الذهب ما يقرب من خمس الناتج المحلي الإجمالي للإمارات.

ومع ذلك لم يقل أي من الشركات الصناعية الكبرى، ومنها “أنجلو غولد” و”أشانتي” و”سيباني-ستيلووتر” و”جولد فيلدز”، إنها تصدر الذهب للإمارات، بحسب “رويترز”.

وتعني محدودية القواعد التنظيمية بالإمارات أن الذهب المستخرج بشكل غير مشروع يمكن أن يستورد بصفة قانونية معفى من الضرائب، في حين أكد تجار أفارقة إمكانية تصدير الذهب إلى دبي دون وثائق تذكر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى